إن
مصطلح (فن الطفل): مصطلح جديد، واكتشاف فنون الأطفال إنما هو نتيجة
لاكتشافنا للطفل ذاته.
وهو الفن الذي يبدو
حرًا ولا تقيده قيود كما أنه يكون عفوياً و تلقائياً ويعد محاولة جادة وهامة من
الأطفال لترتيب وتنظيم البيئة المحيطة بهم وإبرازها بطريقة ذات معنى، والأطفال
يفكرون في شتى الطرق والأساليب مثل الكبار تماماً
(Lowenfeld, V & Brittain, W, 1987, 70).

فلو نظرنا لرسم الطفل فى شكل (1) لطفل (8 سنوات) وهو
يعبر عن موضوع (السوق) عبر عنه برجل يحمل معطفه، وقد ظهر فى هذا الرسم أكثر من
خاصية وهى الشفافية في ظهور عنصر الفاكهة بداخل المعطف، كذلك بالتسطيح في جسم
الرجل، والتحريف في رسم قدميه وجسمه، وعبر عن عناء الرجل بمهارة في التعبير عن ذلك
برسم الرأس بتلقائية وهى تكاد أن تكون داخل جسمه وكأنها ملصقة على صدره، وإن دل
هذا على شىء فإنما يدل على براءة وتلقائية الطفل.(العطيفى، 2013: 11)
وهنا يلعب الفن دوراً
مؤثراً في حياة الطفل، وخاصة التعبير الفني بالرسم، فالرسم بمثابة اللغة التي
يتواصل بها الطفل مع الآخرين حينما لا يستطيع التحدث باللغة اللفظية، لينقل لنا
أفكاره، وأحاسيسه وانفعالاته، فالرسم معنى عقلياً أكثر منه معني جمالياً، فهو لغة
لمن يعانون من نقص اللغة، أو من وجود صعوبات لغوية، تعوق عملية تواصلهم مع الآخرين.
وتستخدم رسوم الأطفال
في تقدير الخصائص الشخصية والعقلية والانفعالية للأطفال العاديين والمختلفين، وتكشف
أيضاً عن حالات الأطفال الأسوياء وغير الأسوياء، وعن مراحل ارتقاء الطفل العامة
والخاصة، كما يعكس لنا القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد لأي جماعة بشرية.
عندما يبدأ الطفل في
تخطيطاته الحرة علي سطح الورق منذ شهوره الأولي، تبدأ معها رحلة الكشف والبحث
والملاحظة لعناصر وجوانب العالم من حوله، فالرسوم التي يقوم بها الأطفال وبخاصة
قبل تعلمهم الكلام أو تعلمهم أى أسلوب من أساليب التعبير، تعتبر وسيلة مهمة من
وسائل التشخيص، وتقدم للمحلل النفسي سجلاً وافياً لتاريخ حياة الطفل، ومن خلالها
يشخص المرض النفسي الذي يعاني منه، وبالتالي يمكن للمحلل معرفة أسبابه، ويقترح طرق
العلاج المناسبة له.
وهذا الجانب يفيد أيضا
الآباء والأمهات لأنه يساعدهم علي تفهم طبيعة أطفالهم في مراحل ارتقائهم المختلفة
مما يمكنهم من معاونتهم علي تنمية هذه التعبيرات للكشف عن شخصية الطفل وتحديد
مشكلاته، وتقديم الوسائل والأدوات المناسبة لاستمرار في ممارسة التعبير الفني.
فالفن يتيح للطفل
ممارسة النشاط وتلبية حاجاته النفسية والعقلية، فالطريقة التي يستخدم بها الطفل
عقله ويديه، ودرجة استجابته لما يراه وما يسمعه وما يشعر به وما يلمسه، ومدي رغبته
في زيادة اتصاله بالآخرين، كل هذا له علاقة بسعادته.
والفن بالنسبة للطفل
وسيلة للتعبير اللالفظي، وتعبير تختلف أبجديته عن أبجدية اللغة اللفظية، فالتعبير
الفني يعتمد علي أبجدية الخطوط، والأشكال والألوان ذو المساحات، ولا يحتاج الطفل
أحداً ليعلمه إياها، بل يقوم بعمله دون مساعدة من احد، كما انه يستخدم أية أداة
تقع تحت يده سواء كانت قلم رصاص أو شمعاً أو فلوماستر أو فحماً.
فالطفل كإنسان له
شخصيته المتميزة وقوانينه الخاصة، ولقد كان ينظر في الماضي إلي الطفل أنه كائن
ناقص، علينا أن ننتظر حتى يكبر، ثم نقوم بدراسته، ومن ثم فقد أهملت إبداعات
الأطفال ونواتج نشاطاتهم، بالرغم مما أكده "جان جاك روسو" بقوله:
" إن الطفل ليس صغيراً يكبر، ولكنه كائن له احتياجاته الخاصة، وعقليته
المتناسبة مع هذه الاحتياجات ".
وبالتالي فإن رسوم
وتخطيطات الطفل تعبير عما يجيش بخاطره وذهنه لذلك هي لغة تواصل بينه وبين المشاهد،
وتعطي صورة صادقة عن مكوناته، فيما إذا كانت هذه المكونات إيجابية أو سلبية.
فما هو ذلك الذي يحاول الطفل أولاً أن
يمثله ؟
هل
هو أشياء كبيرة، أشياء ذات جاذبية في ألوانها أشياء مستديرة ذات تداعيات سارة، أم
أشكال إنسانية وحيوانية يحصل من خلالها علي العديد من الانفعالات؟
وما هي العمليات التي
تحقق المتعة الفائقة في ذلك؟
أن القضية هنا ليست هي
أن الطفل ينتج رسومات جيدة أو لا القضية هي: هل يقوم الرسم فعلا بالارتقاء بقدرات
وملكات هذا الطفل؟ (العطيفى، 2013: 10-13)
المراجع:
العطيفى، محمود حسن (2013)، تطور فنون الأطفال والبالغين، القاهرة، نشرخاص.